الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: فإن من نعم الله تعالى علينا في هذا الزمان تسخير الهاتف الجوال ، الذي يقضي به الإنسان حاجاته بأقرب طريق وأيسر كلفة، فيوفر عليه الوقت والجهد والمال، وشأن النعم أن تشكر ولا تكفر، ومن الشكر ألا تستعمل فيما يغضب الله تعالى، وأن تراعى فيها أحكامه، وفي هذه المقالة بيان لأهم الأحكام والآداب الشرعية التي ينبغي للمسلم أن يراعيها حتى يكون من الشاكرين لنعمة الهاتف الجوال.
أولا : إذا اقتنيت الهاتف الجوال
1- إذا اقتنيت هاتفا جوالا فلا تقتن إلا الهاتف الذي يؤدي الغرض المشروع، وابتعد عن الهواتف التي تحوي خدمات ترفيهية ضررها أكثر من نفعها، وغلاء ثمنها يجعلك من المسرفين المبذرين.
2- وإذا اشتريت هاتفا جوالا فعرِّبه (اختر اللغة العربية) ونظفه من الرسائل السيئة والصور غير اللائقة، وحافظ على نظافته بعد استعماله، فقد يرد عليك من غير ذوي الأخلاق ما ينجسه.
3- اجتنب النغمات الموسيقية، وعطل نغمة الفتح والإغلاق ، لأن سماعها حرام في الجوال وفي غيره، واجعل رنة عادية محترمة لا تحرجك مع ذوي الهيئات، والجوال الذي ليس فيه إلا نغمات موسيقية محرم بيعه وشراؤه إلا إذا كان بالإمكان تغيير رناته.
4- واحذر أن تجعل رنة الجوال آية من القرآن أو ألفاظ الآذان، فإن ذلك امتهان لها غير جائز، وقد يرن الهاتف وأنت في الخلاء، وقد توقف الرنة إذا أحرجتك فتقطع الآية قبل تمامها والشهادة في منتصفها.
5- تأكد من الأرقام عند تسجيلها وعند كل اتصال أو إرسال حتى لا تحرج نفسك، وحتى لا تقع رسائلك في يد من لا تعنيه.
6- لا تعط جوالك لغير أمين، فقد يطلع على أرقام خاصة لبعض أقاربك وأصحابك، وقد يقرأ الرسائل المحفوظة وأنت لا ترضى بذلك، وقد يسيء إلى بعض الناس بجوالك .
7- والجوال ليس لعبة تعطى للأطفال يعبثون بها، فقد يفسدونه وقد يتصلون بالناس ويزعجونهم.
ثانيا : أدب الاتصال
1- إذا لم يُرد عليك فلا تلح
إذا لم يرد عليك المتصَل به أو أسكت الهاتف بعد رنينه عنده، فلتعلم أنه مشغول فلا تلح عليه، واترك وقتا تقدِّر أنه قضى شغله فيه ثم أعد الاتصال به.
2- حسن الظن بالمتصل به
ومع ذلك ينبغي أن تحسن الظن بالمتصل به، وأن تلتمس له الأعذار، فقد يكون مريضا أو مشغولا بالحديث مع أناس لا يحب أن يقطع حديثهم أو في المسجد أو في المقبرة أو في شيء من حوائجه الخاصة. ويحسن بالمتصَل به أن يخبر المتصِل بعذره فيما بعد، وإن أمكنه رد عليه ردا سريعا يبين له أنه مشغول أو في مكان لا يسمح له بالحديث ، فذلك أسلم للقلوب.
3- عرف بنفسك
ومن الأدب أن تخبر عن اسمك في بداية الاتصال، فلا تمتحن المتصَل به بمعرفتك، قال جابر رضي الله عنه : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فدعوت فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من هذا؟ فقلت أنا ، فخرج وهو يقول: أنا أنا !! (متفق عليه). وإن كنت تُقدر أن المتصل به يحفظ رقمك فلم يعرفك، فأخبره ولا تلمه على تضييع رقمك وعدم تسجيله.
4- لا تطل في المكالمات
ولا تطل على غيرك بفضول الكلام، واعلم أنه لا يجوز لك أن تضيع وقتك ومالك من غير داع، فإنك تُسأل عنه يوم القيامة، وقد يتأذى المتصل به بذلك، واذكر أن كثرة الاستعمال لها آثار سلبية على الصحة وخصوصا على الذاكرة.
5- تسجيل المكالمات
لا يجوز للمتصل أو المتصل به أن يسجل أحدهما الآخر إلا بعلمه وإذنه، فإن ذلك سوء أدب ونوع من الخيانة، سواء كان الحديث سرا أو لم يكن، ومهما كان موضوع الكلام دينيا أو دنيويا، ومن زاد على ذلك فنشر التسجيل بين الناس فهذا تعمق في الخيانة وهتك الأمانة، وكذلك لا يجوز إطلاق مكبر الصوت في حضرة الناس إلا بإذن المتكلم معه للمعاني السابقة.
6- غلق لوحة المفاتيح
وبعد استعمال الهاتف تحر قفل لوحة المفاتيح، فقد تضغط على زر المكالمات وأنت لا تشعر فيضيع مالك وتكشف أسرارك ، وأقل ما في ذلك أنك تزعج غيرك.
7- احذر صفة البخلاء
احذر صفة البخلاء الذين يريدون استغلال الآخرين فتدق على إخوانك ليردوا عليك حفاظا على رصيدك، فإن ذلك من الأخلاق السيئة وخوارم المروءة.
ثالثا : آفات الهاتف الجوال
1- اقتناؤه من غير حاجة
على الآباء أن لا يسمحوا لأولادهم المراهقين والمراهقات اقتناء لهاتف الجوال من غير حاجة، لأنهم يستعملونه في الغالب فيما لا ينفع وفيما هو محرم، ويفتح عليهم باب شر يعسر سده.
2- المعاكسات
من أخطر آفاته استعماله للمعاكسات، وليعلم المعاكس أن الأذن تزني واللسان يزني، وأن الله تعالى رقيب عليه وفاضحه لا محالة في الدنيا أو الآخرة. ولا يقل المعاكس إني أمزح، لأن الراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه. وكما تدين تدان فمن لعب بأعراض الناس، فسيسلط الله عليه من يلعب بعرضه.
3- التصوير
لا ينبغي للمسلم المحتاط لدينه أن يقتني جوالا فيه خدمة التصوير، لأن ذلك يفتح عليه باب شر عظيم، فقد تسول له نفسه تصوير ما لا يجوز تصويره، وقد ترسل إليه صور خليعة غير مرضية. ومن اقتناه لم يجز له استعمال آلته إلا في تصوير الجماد من بنيان ومناظر طبيعية، لما هو معلوم من تحريم تصوير ذوات الأرواح لغير حاجة. ومن صور أهله ونساء بيته فقد عبث بعرضه، فقد يضيع هاتفه فتقع تلك الصور عند الناس، وقد يطلع عليه بعض الفضوليين، وقد يرسلها إلى غيره من غير شعور منه …الخ. وعلى النساء أن يحذرن من مصاحبة من تستبيح التصوير بالهاتف الجوال، ولا تبالي بنشر صور النساء بين الرجال، وخاصة في الولائم والأعراس.
4- اتخاذه لعبة
من آفات الهاتف الجوال العبث به في المجالس، والاشتغال بالتسالي التي يحويها وتضييع العمر فيما لا ينفع .
5- التعاظم والتباهي
ومن آفات الهاتف التعاظم والتباهي، وقد يكون ذلك باقتناء الهواتف الغالية الثمن، وحملها في اليد على الدوام لتظهر، وقد يكون أيضا من جهة ادعاء الاتصال بذوي المكانة والجاه والمال، ليحمد بما ليس أهلا له ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور» (متفق عليه).
رابعا : أحكام مختلفة
1- الهاتف في المسجد
ينبغي إغلاق الهاتف أو وضعه على الصامت عند دخول المسجد، حتى لا يشوش على المصلين وإمامهم ولا يقطع عليهم صلاتهم ويفسد خشوعهم ، وذلك حتى في غير أوقات الصلاة فقد نهينا عن اتخاذ المساجد طرقات بأن نرفع فيها أصواتنا ونتحدث فيها عن أمور الدنيا والبيع والشراء.
2- إذا رن الهاتف وأنت في الصلاة
وإذا نسيت ولم تغلق الهاتف فاتصل بك وأنت في المسجد أو في الصلاة، فلتبادر إلى إسكاته ثم إغلاقه حتى لا يعاود المتصل مرة أخرى، ولا حرج في حركة غلق الهاتف في الصلاة، لأنها من مصلحة الصلاة ومن مصلحة المصلين.
3- موقفنا ممن نسي الجوال مفتوحا ؟
ينبغي علينا أن نعذره إذا نسي جواله مفتوحا، أو جهل كيف يتصرف إذا اتصل به وهو في الصلاة، لكن لا يجوز لنا تأخير النصيحة له وتعليمه وجوب المسارعة إلى إغلاقه، وإن كانت النغمة فيها موسيقى أخبرناه بتحريم ذلك، كل ذلك بأسلوب لين لا إحراج فيه ولا تعنيف، وذلك اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي أحسن معاملة الأعرابي الذي بال في المسجد ، وقال : «فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين » (البخاري).
4- في مجالس العلم
لا ينبغي استعمال الهاتف في مجالس العلم لأن تكليم الناس والرد عليهم ينافي أدب المجلس ويذهب بهيبته، ويشغل المدرس ويؤذيه ويقطع المتعلمين عن متابعة الدرس ويشوش عليهم ، ومن كان له اتصال مهم يجريه أو يستقبله، فليستأذن وليبتعد عن المجلس حتى إذا فرغ من الكلام عاد، وهكذا يقال في كل مجلس يسوده الجد والوقار.
5- الأدب في رسالة الجوال
لا تكتب غير شيء يسرك يوم القيامة أن تراه، فلا تذهل وتدخل في المزاح الثقيل والمحرم، (كالرسائل التي فيها اعتداء في الدعاء) واجتنب الكلمات البذيئة والنكت السخيفة والرسومات القبيحة والصور الفاضحة، وعبارات الغرام ولو مع زوجك فقد تقع رسالتك في يد غيرها، ولتضع المرأة ذلك بحسبانها إذا راسلت صاحبتها أنه قد يطلع على رسائلها زوج صاحبتها أو أخوها أو أبوها.
وكذا لا تعد إرسال الرسائل المجهولة المصدر التي تحوي أخبارا لا يدرى صدقها من كذبها ويطلب من الناس إذاعتها.
6- احذر القمار
لا يجوز الرد على رسائل القمار التي تستهويك بالجوائز المغرية، ولا أن تشارك فيها باتصالك في أي رهان تقيمه شركات الاتصالات أو مسابقة تدعو إليها القنوات الفضائية ، وتحريم القمار لا يخفى على مسلم.
7- استعمال جوال غيرك
لا يجوز للمسلم أن يستعمل جوال غيره بغير إذنه، ولا ينبغي له أن يفتحه دون علمه ولا أن ينظر في الأرقام المسجلة فيه ، وإن أذن له باستعماله لم يجز له أن يقرأ الرسائل الصادرة والواردة ، فذلك من التطفل والتجسس والخيانة .
8- الاتصال في أوقات غير مناسبة
احذر الاتصال في الأوقات التي يغلب على ظنك كون صاحب الهاتف نائما أو مشغولا فيها، فإن فعلت لضرورة تمنع من تأخير المكالمة فلتعتذر إليه ولتحسن الكلام معه وتبين عذرك.
نسأل الله تعالى أن يعلمنا وأن ينفعنا بما علمنا وأن يوفقنا لشكر نعمه علينا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
بقلم : أبي عبد الله محمد حاج عيسى الجزائري